كان لقاءهما الاول غريباً للغاية .. محاطاً بالغموض .. يطغى عليه اللون الرمادي و تسكنه ذكرى عاصفة كانت تدوي
آنذاك ..
عصفت الريح بالارجاء و هطلت الامطار الغزيرة حتى كانت زخات المطر كسوط يجلد الارض بقسوة .. امتزجت رائحة الاسفلت الرطب برائحة البحر الثار بفعل الرياح .. هناك مقابل البحر والامواج المتلاطمة .. رأته للمرة الاولى يقف بثبات على الرغم من قوة العاصفة ، يحدق بتحدِ نحو الافق البعيد الممتد امامه.
لم تكن لتدرك ، ادارت رأسها دون قصد لتلتقي عينيها بظل شخص يقف على مقربة منها ..
كانت هي ايضاً تتحدى العاصفة والموج المتلاطم …ترقبه بصمت ، لم تأبه بالامطار التي بللتها حتى اخمض قدميها كان الكيمونو الابيض الخفيف الذي ترتديه لا يقيها برودة الجو التي تنخر في عظامها ..
وهو ايضاً .. لم يكن الكيمونو الارجواني الثمين الذي يرتديه افضل حالا منها
فراشات بلون دافىء ..
هذا ما جذب نظرها اليه وجعلها تحدق مدهوشة في النقش المرسوم على ملابسه
كان يستند بكلتا يديه على السور الحديدي الذي يفصلهما عن البحر المتراقص جراء الريح
تسكن عينه اليسرى نظرة كسلى و يحجب شعره الداكن المتطاير عينه الاخرى
اطالت النظر اليه ..
لربما احس بذلك ، امال رأسه بتساؤل ناحيتها
رمشت بإستغراب حين تلاقت نظراتهما ثم ما لبثت ان اشاحت بوجهها ناحية البحر
لم يخطر هذا الامر ببالها في تلك اللحظة ولكن حين تفكر في لقاءهما الاول يراودها شعور بأن نظرته كانت مخيفة كنظرة وحش بري غاضب
على الرغم من ان الجو صاخب حولهما الا ان الصمت كان مخيماً بينهما
كان هو من تحدث اولا
العاصفة .. ليتها تستمر لمدة اطول-
لشدة دهشتها لم تكن تدري اكان يحدث نفسه ام وجه حديثه اليها .. ردت عليه دون ان تفكر
ولكن ! ولكن ستغرقنا الامطار ان حدث ذلك -
كان رده اكثر غرابه ولمحت في صوته نبرة انزعاج
هذه الاجواء هي الافضل .. ان عصفت الرياح وثار غضب الطبيعة هدأت انا
لم يكن بمقدورها حينها ان تفهم اي كلمة مما قاله .. ولا ان يخطر ببالها اي نوع من الاشخاص هو
تنهدت بعمق وواصلت التحديق ناحية البحر الذي اعياه التصارع مع الرياح واستكانت الامواج ولم تهدأ ثورتها
لسبب ما ارادت ان تواصل حديثها مع ذلك الشخص قالت بتمهل
ستصاب بالبرد حتى ولو كنت تحب هذا الجو -
اجابها بعد برهه بصوت متهكم
و ألن تصابي به انت ؟-
اطلقت قهقه صغيرة و قالت مازحه
انا اعمل ممرضة لذا لا تتجرأ الامراض على الاقتراب مني-
فهمت-
قال ذلك بجديه كبيرة ، ألم يفهم مزحتها ؟ ام انه شخص جاد بطبعه
في غمرة تفكيرها بماهية شخصيته تحرك مبتعداً عن السور و مشى بخطوات ثابته ، ابتعد عن المكان الذي كان يقف فيه وكأنه ينوي الرحيل ، لم ترد ذلك .. لسبب ما ارادت منه ان يظل معها لفترة اطول ، ارادت التحدث اليه ولو لدقائق اخرى و لكنه مشى مبتعدا تتلاعب الرياح بخصلات شعره الارجواني الداكن حتى ابتلعه الافق ..
فكرت في ما بعد انها لم تعرف حتى اسمه
لم تعرف حتى اسم ذلك الشخص الذي يجد هدوءه حين تهيج العواصف
