ظل الجنود يحتفلون حتى وقت متأخر وبعدها شرعوا بتنظيف المكان رغم ان بعضهم غادر مباشرة كقادة الفرق والجنود الاعلى رتبة وبعض ممن ثمل وغلب عليه النعاس. ليفاي استعد لينظف المكان وصرخ في بعض المجندين الذين كانوا يتلكأون في عملهم ثم رمى ممسحة اتجاه ايروين، الذي امسكها بخفة لكن نظر الى ليفاي باستغراب فهو لم يقم بمهمة التنظيف منذ فترة طويلة.
" لا تقف هكذ وتضيع الوقت... ماذا الا تعرف كيف تستخدمها؟" قال له ليفاي وقد شرع فعلا بالعمل.
"بلى اعرف لكن مرت فترة منذ اخر مرة توليت فيها مهمة التنظيف" رد ايروين بصراحة.
"لارتبة عليا تجعلك افضل من ان تنظف انها من ابسط الامور التي تجعلك انسانا"
"اجل انا لم اقصد ذلك.. الامر انه مع الرتب العليا تأتي مسؤوليات اخرى" وبدأ ايروين بدوره التنظيف اثناء كلامه دون مزيد من النقاش، لقد عرف ان ليفاي يهتم بالنظافة وفي بادئ الامر ظن انه يفعل ذلك لكي لا ينتقد احد البيئة التي اتى منها ولكنه بدأ يدرك الان ان هذه خصلة رئيسية في ليفاي، ثم اضاف
"لا انكر انه هناك بعض الامتيازات ايضا ستدرك ذلك مع الوقت"
"افضل ان اقوم بالتنظيف بنفسي وان المعايير هنا لمنخفضة" قال ليفاي منتقدا.
"اه ،حقا؟ يوما ما ستحتل رتبة اعلى ربما سيمكنك تحسين تلك المعايير"
"اين تخالين نفسك ذاهبة ياذات الاربع عيون القذرة؟" انب ليفاي ممسكا هانجي من ياقتها.
"دعني يا ليفاي لقد انتهيت!" قالت هانجي وهي تعدل نظاراتها.
"تسمين هذا تنظيفا اعيدي مسح الطاولة وارفعي تلك القمامة عن الارض بعد انتهائك" امرها ليفاي فذهبت متذمرة لتنفذ متمتمة "يالك من مهووس كبير" ليرد عليها ليفاي بان شعرها يحتاج للغسيل.
"ليس عدلا موبليت غادر باكرا ولم يمنعه احد" تذمرت هانجي وهي مذعنة للعمل.
"هانجي دعي المسكين ينال بعض الراحة يكفيه ما يناله منك كل يوم" خاطبها مايك وهو يشاركهم العمل.
لم يستغرق الامر منهم طويلا لينتهوا، ليفاي كان يأخذ الامر بجدية اكثر من الباقين وقام بنفسه بمعظم العمل شاكيا من كون رفاقه لا يبذلون الجهد الكافي على رغم ان معظهم كان يحاول ان يستجيب لانتقاداته.
غادر الجميع قاعة الطعام في النهاية، وتخلف ليفاي قليلا حيث انه كان يتأكد من نظافة المكان، ايروين ايضا وقف قرب الباب ينتظره مفكرا في ان هانجي كانت محقة في ان حب ليفاي للنظافة يصل الى حد الهوس مع انها يمكن ان تستفيد من بعض نصائحه.
"هل انتهيت؟"
"نعم" قال ليفاي وهو يعيد ادوات التنظيف الى مكانها.
ثم هما بالخروج معا، لاحظ ليفاي ان ايروين كان ينتظره لكنه اختار عدم التعليق او السؤال عن الامر. وتابعا مسيرهما صامتين في حلكة الليل المضاء بالقناديل.
"لم تكن امسية سيئة في نهاية الامر اليس كذلك؟، انا سعيد انك قررت البقاء" قال ايروين اخيرا.
"اجل ليست سيئة" رد ليفاي.
"كيف حالك الان؟ كيف تجد الامور في الفيلق؟" سأل ايروين بينما يمشيان في اتجاه الثكنات.
"بخير، لقد سألتني ذلك قبلا" اجاب ليفاي متذكرا ان ايروين سأله السؤال ذاته قبلا.
"صحيح، لكنك لم تكن قد قررت البقاء بارادتك بعد؟ ولم تكن قد فقدت صديقيك ؟" اضاف ايروين رغم علمه بخطورة السؤال المباشر.
"ما يزال مليئا بالناس غريبي الاطوار... لكنني فهمت لما يقاتلون بشكل افضل ، انا قد سبق ورأيت الموت قبلا انه كان محيطا بنا من كل جانب تحت الارض ورغم ان هذا لا يجعل موت ايزابيل وفالاران اقل شأنا بالنسبة الي فان روحهما ستظل معي ولن اجعل موتهما يذهب عبثا".
كانت تلك هي ربما اطول مدة سمع ايروين فيها ليفاي يتحدث بشكل متواصل عن نفسه، ان ليفاي يكثر من الحديث عندما يزعج شيء ما تفكيره.
"معك حق اننا ندين لاولئك الذين سقطوا بان نعمل بشكل افضل للبشرية" قال ايروين وقد ترات صور لكثيرين في فكره، لم يرد ليفاي بشيء ولكنه كان يكن في نفسه احتراما لايروين اكثر مما يبدو عليه فهو لم يرى احدا قبل يولي غاية اسمى هذا القدر من الاهتمام.
"احرص على ان تنام الليلة، انا لا اقصد التطفل لكنك لا تحظى بنوم كافي اعرف ان النوم قد يكون صعبا احيانا لكن عليك ان لا ترهق نفسك كثيرا" اضاف ايروين.
" لا تقلق لن يتأثر ادائي" اكد له ليفاي، الارق كان ينتابه منذ ايامه تحت الارض لكنه ازداد في الفترة الاخيرة، ليس وكأنه سيخبر احدا بذلك باي حال.
"اعلم ذلك. لكني اقدم لك هذه النصيحة كصديق، سوف ترى ان الكثيرين هنا اصدقاء مخلصون يمكنك الاعتماد عليهم والحديث معهم كما يعتمدون هم عليك، انت لست وحدك" قال ايروين املا ان يتقرب من ليفاي اكثر وتابع.
"حتى اقوى الرجال تتعبهم افكارهم احيانا اعلم انني ابدو وكأنني لا اهتم الا بمهماتنا معظم الوقت لكن اود ان تعلم انه يمكننا دوما الحديث كصديقين حتى واذا كثرت مشاغلنا".
ليفاي بدوره كان يقدر ذلك الاهتمام لكنه لم يعرف بمايرد فاكتفى بقول "لا تشغل نفسك بامر كهذا"، لم يلح ايروين اكثر فقط اراد ايصال تلك الفكرة فهو يعرف ان ليفاي منذ شهرين اخذ كلماته بجدية واحس بمسؤولية قوته لكن هذا لا يعني انه يتوجب عليه ان يكون قويا دائما.
واصلا السير صامتا حتى وصلا تقريبا الى الثكنات وافترق طريقهما فقادة الفرق يحصلون على غرف خاصة.
"تصبح على خير يا ليفاي، نم الليلة في سريرك" كرر ايروين فلقد سمع ان ليفاي ينام ساعتين فقط جالسا في كرسيه.
"طابت ليلتك ايروين" رد ليفاي ومضي كل في طريق.
في تلك الليلة وبعد ان جلس يفكر كعادته و قرأ قليلا كانت افكاره تدور حول احداث الليلة وبدت اقل ازعاجا من كل يوم ثم قرر ان يجرب النوم في سريره غيّر ملابسه وسمح لنفسه بالاسترخاء تذكر كلمات ايروين كيف وصفه بانه صديق وعرض ان يتكلم معه عما يزعجه، لم يفكر ليفاي في ان يفعل ذلك قبلا كما لو ان هناك شيئا داخله يرى ايروين كقدوة لا يحب ان يبدو بمظهر سيء امامه لكن ربما هو اكثر من مجرد قائد تتطلع اليه بل صديق واخ في القتال وتسآل اذا ما كان يعاني ايروين من الارق ايضا وفيما اذا كانت هانجي قد نامت الليلة في سريرها او على مكتبها كعادتها عندما تعمل، كيف ان مايك سيتفقد صديقه ثانية على الارجح، وبضحكات اولئك الجنود اليافعين وبينما هو يفكر ثقل جفناه واستسلم للنوم، كانت ليلة هادئة لم يرى فيها حلما واستشعر راحة لم يشعر بها منذ زمن بعيد.
النهاية
